لم يعد اليمن مجرد بلد يمر بأزمة عابرة، بل أصبح وطناً كاملاً يقف على حافة الانهيار. فمنذ أن استولت مليشيات الحوثي على مؤسسات الدولة في صنعاء عام 2014، دخلت البلاد نفقاً مظلماً من الحرب والمعاناة، وتحول "اليمن السعيد"، الذي كان يوماً منارة للحضارة والتاريخ، إلى مسرح مفتوح للدمار والفوضى.

 
لم تقدم هذه المليشيات مشروعاً وطنياً، بل فرضت أجندتها بالقوة المسلحة، فانهارت مؤسسات الدولة، وتفككت خيوط الاقتصاد، وفقدت العملة أكثر من ثلثي قيمتها، والتهم التضخم ما تبقى من مدخرات المواطنين، بينما تُفرض الجبايات والإتاوات لتمويل آلة الحرب على حساب لقمة عيش الفقراء. ووفقاً لتقارير دولية حديثة، يبلغ معدل الفقر في اليمن 46.7% إلى أكثر من 80% من السكان، فيما يعاني نصف الأطفال دون الخامسة تقريباً (أكثر من 540 ألف طفل) من سوء التغذية الحاد، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية عالمياً.

لم تكتفِ المليشيات الحوثية بتدمير الاقتصاد، بل حولت المساعدات الإنسانية إلى ورقة ضغط وابتزاز سياسي، ضمن استراتيجية ممنهجة لإخضاع المجتمع وضمان ولائه، فأصبح الغذاء والدواء رهينة بيد جماعة لا ترى في الشعب سوى وقود لحربها. ولم تتوقف تداعيات الانقلاب عند حدود اليمن ودول الجوار، بل امتدت لتطول واحداً من أهم الممرات الملاحية في العالم، عبر استهداف السفن في البحر الأحمر، حيث جلبت هذه الممارسات عزلة دولية وقصفاً أجنبياً على بلد منهك أصلاً، مما عمّق من جراحه ودفعه نحو أزمة قاتلة، حيث يفتقر 63% من الأسر إلى غذاء كافٍ و35% تعاني حرماناً غذائياً شديداً. وفي الوقت نفسه، يتم استغلال قضايا إقليمية كبرى، مثل العذر الأقبح من الذنب وهي القضية الفلسطينية، بهدف حشد الدعم وتبرير الأعمال العدائية، حتى حولت هذه المليشيات اليمن إلى قاعدة لإطلاق الصواريخ وتهديد أمن المنطقة بالكامل.

إن اليمن، الذي كان يوماً مهد الحضارات القديمة وأرضاً اشتهرت بالحكمة والسلام، يجد نفسه اليوم أسيراً لمشروع خارجي يطمس هويته ويهدد مستقبله. فالمفارقة بين الماضي العريق والحاضر المظلم تعكس حجم الخسارة التي يعيشها اليمنيون. وأي حديث عن سلام حقيقي ومستدام يبدو بعيد المنال، في ظل هيمنة منطق القوة والسلاح، فالسلام لا يُبنى على أنقاض دولة مخطوفة أو على حساب حقوق شعب بأكمله في تقرير مصيره. فالطريق نحو إنقاذ اليمن يبدأ من نقطة واحدة لا بديل عنها وهي استعادة الدولة ومؤسساتها وعاصمتها صنعاء، وإنهاء سيطرة المليشيات الحوثية ومشروعها الإيراني الدخيل.

رغم كل الجراح، ما زال اليمنيون يحلمون بيوم يعود فيه وطنهم منارة للحكمة والسلام، لا ساحة للخراب والفوضى. فاستعادة الدولة والجمهورية ليست مجرد خيار، بل هي شرط وجود وواجب وطني لا يحتمل التأجيل، فهي وحدها الطريق الذي يعيد لليمن مكانته ويمنح شعبه الحق في حياة كريمة ومستقبل آمن.

أخبار من القسم

اشترك الآن بالنشرة الإخبارية