أحمد غيلان يكتب: في وجه المدّ الأسود: مقاومون يحرسون اليمن
هناك في الأعماق، حيث يختلط الملح بالغدر، وتضطرب أمواج البحر الأحمر بين نبض الحياة وعبث الموت، يقف رجال لا يعرفون التراجع، ولا يغمض لهم جفن في حضرة الخطر.
أولئك هم أبناء المقاومة الوطنية، من خفر السواحل والقوات البحرية وشعبة الاستخبارات، حراس السيادة وعيون اليمن الساهرة، الذين جعلوا من الشواطئ والخلجان ساحة صراع بين مشروع الحياة ومخططات الفناء.
لم يكن البحر الأحمر، في تاريخه الطويل، كما هو اليوم، مسرحًا لمحاولات شيطانية تسعى لتخريب الأرض، وقتل الإنسان، وتحويل الجغرافيا اليمنية إلى ساحة دائمة للاشتعال.
فمن هناك، من وراء الضفة الشرقية، تمدّ إيران ذراعها المخادعة، ملوحة بوجهها المدني، ومرسلة سمومها في قوارب خشبية وصناديق تجارية مزيفة، تحمل بدل الزاد قذائف، وبدل المحاصيل، مخدرات قاتلة، وبدل التجارة، أدوات موت.
لكن تحت ظلال هذا التهديد، سطعت نجوم المقاومة الوطنية، تتعقب الأثر، وتقرأ الرياح، وتفكك الرموز والأوراق.
فخلال أشهر قليلة، لم تكن المعركة عسكريةً فقط، بل كانت استخباراتيةً دقيقة، تستبطن ما وراء الحروف والأرقام، وتفضح ما تخفيه السفن من حقد مقنّع.
في الثاني عشر من فبراير، أوقف رجال البحر زورقًا بحريًا يحمل اسمًا عربيًا، لكنه يخفي خلف اسمه قادمًا من "تشابهار" الإيرانية. تسعة إيرانيين وثلاثة باكستانيين كانوا على متنه، يتوسدون شحنة سماد، لكن ما تحمله الصناديق كان نذير شؤم، إذ يُستخدم ذلك السماد لصناعة المتفجرات، وتمويه الشحنة كان بخداع منظم، أوراق مزورة، ومسار ملفق، وأوامر صدرت من غرف ضباط الحرس الثوري، الذين تركوا إيران مسرحًا للموساد الصهيوني، وانشغلوا بتصدير القبح والشر إلى اليمن ولبنان وسوريا والعراق.
وفي اليوم التالي، وبالوتيرة نفسها من اليقظة، ضبطت الدوريات زورق "الزهراء"، محملًا بشرّ تقني متطور: صواريخ مجنحة، طائرات مسيّرة، منظومات تشويش.
شِحْنة الحقد هذه لم تكن مجرد مُعَدّات، بل مشروع دمار يُدار من غرف مظلمة يقودها من نصبوا أنفسهم أئمة فوق الحياة. اعترف الطاقم بأنهم يعملون لصالح قيادي حوثي يُدعى حسن العطاس، الرجل الذي وضعوه على رأس المصائد السمكية، لا لصيد الأسماك، بل لمحاولة اصطياد اليمنيين.
ولم تكن العزيمة لتلين، ففي العاشر من مايو، حُبطت عمليتان متزامنتان، جرى خلالهما ضبط أكثر من 3 ملايين صاعق تفجير، وآلاف الأمتار من الأسلاك، وأجهزة فضائية لتوجيه القتل عن بُعد، ولصناعة قوارب لا تعرف الموانئ، بل تعرف فقط الهدف الإجرامي: "الانفجار".
أما في يوليو، حيث تشتد الحرارة وتتوهج الرمال، كان البحر أكثر يقظة، وحراس المقاومة أكثر تصميمًا، فتم اعتراض قارب يحمل حمولته من الحشيش والشبو، القادم من إيران، ليس فقط ليُسكّر العقول، بل ليفكك بقايا التماسك، وليحوّل الإنسان اليمني إلى حطام، جاهز للتجنيد أو للبيع أو التصدير.
وفي الحادي عشر من يوليو، كانت الضربة الأخيرة حتى الآن، حين أُوقفت جلبة خشبية قرب الممر الملاحي الدولي، تُخبّئ في جوفها قذائف "آر بي جي" وقناصات وحزامًا من الموت.
مجالب الشياطين لم تكن مجرد قذائف، بل رسائل موت مرسلة بإمضاء إيراني، وختم حوثي، وعنوان:
"إلى اليمنيين جميعًا".
لكنهم لم يصلوا.
فالمرابطون في كل ممر ومعبر، رجال لا يستهويهم الظهور ولا يطلبون التصفيق، بل يحرسون اليمن باليقين والعزم، ويعرفون أن النصر لا يُهدى، بل يُنتزع من بين مخالب الغدر.
إنها حربٌ تُخاض في الظل، ولكن صداها في العلن.
وهيهات أن يكون البحر الأحمر ممرًا للموت ما دام فيه صقور حرة، تحلق دون كلل، وتحرس اليمن بعيون لا تنام.
ما تحقق حتى الآن، ليس نهاية الإنجاز، بل فصل من فصول لن تتوقف إلّا بتوقف نوازع الشر ذاتها أو بكسر قرونها وباقتلاع جذورها.
فكل عمليةٍ تُخطط، وكل شحنةٍ يُعدّ لها في السر، وكل خطرٍ يُدبّر في العتمة، سترصده عيون الحراس قبل أن يتحرك، وسيحبطه رجال خلقهم الله لدحر الشر، وصدّ الخطر، وتفكيك مفاعيل المكر والغدر والعدوان.
رجال أقسموا ألا تمرّ خيانة، ولا يمرّ خطر، ولا تُخترق السيادة، ما دامت أقدامهم تطأ الأرض، وصدورهم مفتوحة للريح، وأيديهم على الزناد.
هي معركة الحق المطلق ضد الباطل المطلق.
معركة الإرادة النقية، ضد نوازع الشر حيثما كانت ومن حيثما أتت.
ومعركة الدفاع عن الأرض والإنسان، في وجه عصابات الظلام وأدوات الحقد.
وسيبقى البحر عربيًّا،
والأرض يمنية،
والسماء مفتوحة للدعاء... وللردّ، حين يحين الرد.