ذكرى يوم الديمقراطية 27 أبريل!
في بلد كاليمن مثخن بصوت القبيلة والعصبية والتجربة السياسية الوليدة لم يكن انتقاله إلى مرحلة التعددية السياسية والتجربة الديمقراطية طريقاً مفروشاً بالورود وذا قابلية ممكنة واستعداداً كلياً لخوض غمارها والثقة بفاعليتها الإيجابية في نقل المجتمع إلى مرحلة الاستقرار السياسي والتعدد الحزبي وممارسة الديمقراطية بشفافية ونزاهة ومصداقية العلاقة بين الشعب ومن يمثله في السلطة.
كان هذا اليوم حينها انتصاراً سياسياً وفعلاً ديمقراطياً مؤثراً رسم ملامح تجربة سياسية جديدة في التاريخ السياسي اليمني، بإجراء أول انتخابات برلمانية تنافسية في السابع والعشرين من أبريل 1993م، ومهما صاحب هذا اليوم من انتقادات مشروعة وغيرها حاقدة إلا أنه سيظل يوماً مشهوداً ترك بصمة فاعلة في المشهد السياسي، بمحاولته تأسيس واقع سياسي مختلف قائم على إرساء دعائم الديمقراطية في بلد متخم بالإشكاليات والصراعات والتحالفات التي تسعى لإفشال أي تحول ديمقراطي وإبقاء نظام الهيمنة الواحدية.
ولذا استحق هذا اليوم تسميته بيوم الديمقراطية مهما كان مستواها، كونه طموحاً في تغيير صيغة الوعي السياسي القائم وتغيير أنماطه والدفع بالمجتمع للتماهي معه، عوضاً عن منزلقات كانت جاثمة في تركيبة هذا الوعي، ومتحكمة بتحديد من يحكم ومن يمثل الشعب سياسياً، علماً بأن عدائية هذا اليوم كان بمثابة وقوع في انجراف الواقع السياسي وانزلاقه إلى طرق الصراع والحروب والاختلاف السياسي المصبوغ بالدم، وعليه فإن الحفاظ عليه كان مهمة صعبة وكان على القوى السياسية اتخاذه قاعدة أساسية للحفاظ على مستقبل البلد وأمنه واستقراره.
قدم الشهيد علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية الاسبق محاولات جادة في عملية إحداث نقلة لممارسة العمل السياسي في المجتمع اليمني من خلال صناديق الاقتراع والتعددية الحزبية التنافسية كمرجعية أساسية للسلطة والانتقال السلمي لها، لكن الإشكالية تكمن في المثالية الزائدة التي تغلغلت في خضم التجربة السياسية ككل، التي رأت أن مثل هذا السلوك الديمقراطي لم يكن حقيقياً، إلا أن المتمعن في تعقيدات النظرية السياسية اليمنية سيجد أنه كان من الممكن حدوث تطورات متلاحقة بالتمسك ببصيص الأمل هذا، وأن العداء له ليس مبرراً وليس منطقياً، وقد قاد إلى فقدان تلك التجربة الديمقراطية النسبية وأعادنا إلى نقطة الصفر المعتمة التي كان السعي حثيثاً لتجاوزها.
ومن هنا فإن مثل هذه الذكريات المضيئة ستظل جزءاً من تاريخنا السياسي الذي يحلم المجتمع بعودته واستئناف مساره؛ لأنه من الصعب خلق مشهد سياسي مثالي ضليع بممارسة الديمقراطية التقدمية وهو لا يمتلك أساسياتها ولا يفقه أبجدياتها وكان حديث عهد بها، ولا يمتلك القدرة والإرادة في إثبات حضوره بفاعلية ومشاريع سياسية تنهض بالمجتمع وتسعى لتطويره وتحديثه.